مقالات

الهفا، أو ماوراء الشمس. هكذا كان يصوّر الأسد شرق سوريا

يعتبر الشرق السوري المكان الأكثر إقصاءاً -بنظر أبنائه- من حيث التهميش وفرض واقع دوني من قبل البعث الحاكم منذ قرابة الخمس عقود، والذي كان يصور مدن ومحافظات دير الزور والحسكة والرقة على أنها مناطق نامية ونائية ينفي إليها المتقاعسين والمخالفين، عدا عن صور التخلف التي كان يطبقها في كثير من الأشكال على واقع المنطقة.
و يرى الكثير بأن الثورة السورية التي اندلعت في العام 2011 كان لها ثمار من شأنها تغيير النظرة التي كانوا يُصوَّرون بها و التقارب المجتمعي الحاصل فيها له دور كبير قبل أن تشمل الواقع الافتراضي الذي بات من أهم تقنيات التواصل بين الأشخاص وحتى المجتمعات كرابط مستحدث، وليست الظروف الراهنة التي أجبرت غالبية العالم على الجلوس في منازلها بعد تفشي جائحة كورونا باستثنائية، بل أنها زادت استخدام وسائله.
ولعل ما يضع بالحسبان الظروف التي يعيشها الشعب السوري على وجه الخصوص منذ تسع سنوات من تهجير وتشتت للأسر بات التواصل بينها على إحدى وسائل الإنترنت، مما يستوجب التركيز على الأنشطة الاجتماعية عبر تلك الوسائل التي راحت إلى ماهو أبعد من كسر الصورة النمطية لواقع ما، وترتقي في الكثير منها إلى التنافس في نشر الثقافات والتعريف فيها، وفي ذلك دور بـتكوين صورة حضارية عن المجتمعات وتصدير النظرة الحقيقية بعيداً عن التشويه الذي يكون متعمداً في كثير من الأحيان من قبل طرف ما بحسب ما يرتئيه رواد تلك المواقع.

يقول الناشط “عهد صليبي” من مؤسسي مجموعة “قاموس الشوايا” على موقع فيس بوك وهي إحدى المنصات المهتمة في التعريف بعادات الشرق السوري “الجزيرة وحوض الفرات” بأن ما دفعهم لإنشاء المجموعة هو المحاولة لتغيير الصورة المرسومة في أذهان السوريين قبل غيرهم تجاه المجتمع الشرقي مستغلين الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي المتزايد على غرار تلك التي أُنشئت عن باقي المجتمعات السورية الأخرى.
وتحدث الصحفي “سامر الأحمد” للشرقية24 حول أهمية مثل تلك الأنشطة لاسيما أن النظام عمد وبشكل ممنهج على تشويه بنية المجتمعات السورية ككل وقد تجاوز تشويه واقع الجزيرة والفرات تحديداً وسائل إعلام النظام و أعمالها الدرامية والفنية التي كانت الوسيلة في تلقي أبناء المناطق والبيئات الأخرى للفكرة وبناء تصورهم على أساسها، فكان فرز ونقل الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية نحو محافظات شرق سوريا نوع من أنواع العقوبة لهم من قبل النظام ولم يخجل من ذكر ذلك في الكثير من الأعمال على وسائله، لتكون المنطقة بتصور السوريين عبارة عن بادية معدومة أهلها رعاة عدا عن إدراج الجهل والتخلف مرافقاً لتلك الصورة، الأمر الذي بات من الواجب تصحيحه وتداركه.
وأضاف الأحمد في حديثه عن نتائج نشاط مجموعة “قاموس الشوايا” وهو أحد أعضائها بأن ماحققته من تقريب للصورة الواقعية التي لا تخص فقط ثقافة المجتمع الشرقي فحسب بل تشمل أرياف المدن و المحافظات السورية أيضاً من خلال الإشارة إلى شمولية كلمة “شوايا” حيث أنها لاترمز لعرق أو دين أو طائفة بحد ذاتها لاسيما عدم وضوح معناها الدقيق وهي التي لازمت تلك البيئة بحسب وصفه، فـعدم تقبل أبناءها لذلك الوصف ناجم عن النظرة التي سعى النظام في ترسيخها عنهم ولم يعد ذلك نقطة خلاف حيث أن البعض راح يتفاخر بتلك التسمية، كما يبرز الدور الذي لعبته الأنشطة الاجتماعية على وسائل الانترنت ومنها ما يخص المنطقة الشرقية من خلال الإقبال المتزايد بغرض الاطلاع على ثقافة هذه البيئة محلياً وأيضاً من بعض الدول العربية لما فيها من عادات مشتركة.

ماهو دور الإعلام الرقمي في تعزيز الصورة الواقعية وهل يصبح مرجعاً وبديلاً عن وسائل الإعلام التقليدية؟
وأوضح الإعلامي “معن النايف” -محرر في شبكة الشرقية 24- بأن الدور الرئيسي للإعلام المستحدث لا يتوقف عند نشر الخبر بل يتضمن كافة جوانب الحياة من أمور اجتماعية وثقافية وتبعاتها، بما يتناسب ذلك مع الأساليب التي يتم فيها تصدير المعلومة، إذ أن الظروف التي تعيشها سوريا عموماً وإن خصصت المنطقة الشرقية بالذكر فإنها تعاني احتلال عدة قوى، الأمر الذي يشغل الشبكات المحلية المختصة بنقل أخبار محافظات دير الزور والرقة والحسكة في توثيق الانتهاكات الحاصلة وذلك ما يفسر محدودية النشاطات الاجتماعية على الأرض قبل أن توجه للإعلام، وربما تكون هناك منصات متخصصة بالشأن الاجتماعي لاسيما أن وسائل الانترنت باتت متاحة للجميع ويبقى الدور على انتقاء المعلومة والتثبت منها ومحاربة الخاطئة منها.
ونوّه “النايف” بضرورة مراعاة التمثيل والمسؤولية التي تقع على عاتق الإعلاميين والناشطين وحتى من هم غير ذلك في حديثه عن الدور السلبي لوسائل التواصل التي قد تؤدّي لتشويه الصورة إذا ما أحسن استخدامها، حيث باتت مواقع التواصل الاجتماعي تمثل منبراً تتساوى فيه الأنشطة مع دور المؤسسات و الشبكات الاعلامية وكل ذلك يرمي إلى تصدير صورة حضارية من شأنها تغيير النظرة السائدة وعدم الاستهانة في أي نشاط مهما كان صغرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى